عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ وَالتَّأَنِّي وَالِاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ أنَّ هَذِهِ الْخِصَال مَنَحَهَا اللَّه تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ فَاقْتَدُوا بِهِمْ فِيهَا وَتَابِعُوهُمْ عَلَيْهَا.
والصلاح سمة جميع الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ} {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ}
ولأهمية الصلاح وفضله دعا كثير من الأنبياء بأن يكون من الصالحين فها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه قائلا {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وسليمان عليه السلام دعا ربه قائلا {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ} ويوسف عليه السلام دعا ربه قائلا {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وبعض أهل الكتاب لما سمعوا القرآن قالوا {رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} بل إن من الأنبياء من دعا أن يرزقه الله الولد الصالح فإبراهيم دعا ربه قائلا {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ودَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قائلا {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}
فوائد الصلاح:
أولا: الصالحون آنية الله في الأرض:
عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ لِلَّهِ آنِيَةً مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَآنِيَةُ رَبِّكُمْ – أَيْ وآنية ربكم في أرضه – قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا»
ثانيا: الصالحون هم ورثة الأرض:
قال تعالى {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} من هم هؤلاء؟ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} فالصالحون يورثهم الله تعالى الأرض ويستخلفهم فيها وينصرهم على عدوهم فيقيمون شرع الله فيها والعاقبة لهم وإن تغلب الكفار حيناً من الزمن فإن العاقبة للمتقين الصالحين بل إن الله يحفظ أولادهم وأحفادهم بصلاحهم وعبادتهم قال الله عز وجل في قصة موسى مع الخضر لما أقام الجدار {وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}
ثالثا: الصالحون يحفظهم الرحمن جل وعلا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ»
رابعا: الصالحون يتولاهم الله
فيثبتهم وينصرهم ويحوطهم ويرعاهم ويدافع عنهم ويطرح لهم القبول في الأرض ويجعل الألسنة تلهج بذكرهم وتثني عليهم ويقتدي الناس بهم قال تعالى {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}
خامسا: الصالحون هم الوسط الذي يُعاش معهم ويسافر إليهم ويخالطون
وهم الجو الذي تحيا فيه النفوس وهم الرفقة والأخلاء والصحبة الذين لا يندم من صاحبهم وليس أدل على ذلك من قصة قاتل المائة نفس فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي قَتَلْتُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَفْسًا؟ لَا لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنِّي قَتَلْتُ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ اخْرُجْ مِنْ الْقَرْيَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدْ اللهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ يُرِيدُ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إلى اللهِ وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَقْرَبَ فَأَلْحِقُوهُ بِأَهْلِهَا فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ»
سادسا: الصالحون تنفعهم أعمالهم في اللحظات الحرجة والمواقف الدقيقة
ولذلك لما انطبقت الصخرة على الثلاثة في الغار لم يكن لهم طريقٌ للخروج إلا أن يدعو كلٌ منهم الله عز وجل بعملٍ صالحٍ كان قد عمله فدعا أحدهم ببر الوالدين ودعا الثانى بالبعد عن الفاحشة بعد التمكن منها ودعا الثالث بوفاء الأجرة وربحها للأجير فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون
سابعا: الصالحون يتلقون سلاما من كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها من يوم فرضت الصلاة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» قَالَ التِّرْمِذِيّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَام الَّذِي يُسَلِّمهُ الْخَلْق فِي الصَّلَاة فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم
ثامنا: الرجل الصالح أمنية من أمانى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِى صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَرِقَ – أي سهر ولم يأته نوم – ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ – تمنى أمنية – قَالَتْ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلَاحٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ فَدَعَا لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ» هو صوت النائم المرتفع حيث قرت عينه واطمأنت نفسه ونام لحراسة الرجل الصالح
تاسعا: الرجل الصالح رؤياه تختلف عن رؤيا غيره من عامة الناس
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» فتأمل يا عبد الله حتى المنامات تتأثر بصلاح أصحابها
عاشرا: الرجل الصالح إذا مرض أو سافر أو حدث له ظرف طارئ منعه عن العمل الصالح فإن عمله الصالح لا يزال يجري له مع أنه قعد عنه بمرضه وعلته
رَوَىَ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِىُّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ» والصالحون قد يشدد عليهم فيبتلون ويضطهدون ويؤذون في ذات الله فيصبرون عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضًا اشْتَدَّ مِنْهُ وَجَعُهُ فَجَعَلَ يَشْتَكِي وَيَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَضْجَرُ لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجِدْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ مُؤْمِناً نَكْبَةٌ من شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا حُطَّتْ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةٌ وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً»
حادى عشر: وَمِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى ذَهَابُ الصَّالِحِين وبقاء شرار الناس في آخر الزمان
عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَتَبْقَى حُثَالَةٌ – الْحُثَالَة الرَّدِيء مِنْ كُلّ شَيْء – كَحُثَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا وفي رواية لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً» أَيْ لَا يَرْفَع لَهُمْ قَدْرًا وَلَا يُقِيم لَهُمْ وَزْنًا
أخيرا: الصالحون أولى الناس بالحياء فى الدنيا ولذلك هناك وصية عجيبة لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «قَالَ رَجَلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ»
مصير الصالحين:
مصير الصالحين فى الدنيا قول الله عز وجل {مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً} أما عند الموت فَرَوَى ابْنُ مَاجَةَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِىُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ» أما عند صلاة الجنازة فقد جمع النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابة الكرام يوما وَقَالَ لهم «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ – صنف مخصوص من السودان المراد به النجاشي أصحمة رحمه الله تعالى – فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ فَصَفَفْنَا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ» صَلَّى النَّبِيُّ صلاة الغائب على رجل مات فى بلد غير بلده وموطن غير موطنه لأنه من الصالحين وعند حمل الميت الصالح للذهاب به إلى قبره أتدرون ماذا يحدث؟ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ لِأَهْلِهَا قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ» وَفي القبر يخبرنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل الصالح بأنه «يَاتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي» وبعد الممات ينتفع الرجل الصالح بالولد الصالح رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» أما في الآخرة فجزاؤه كما قال الله تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ اللَّهُ عز وجل أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»